الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المدونة (نسخة منقحة)
.في جِنَايَةِ الْمُكَاتَبِ عَلَى عَبْدِ سَيِّدِهِ أَوْ مُكَاتَبِ سَيِّدِهِ: قَالَ: يَكُونُ لِلسَّيِّدِ عَلَى الْمُكَاتَبِ قِيمَةُ الْعَبْدِ. قَالَ: وَكَذَلِكَ لَوْ جَنَى هَذَا الْمُكَاتَبُ عَلَى مُكَاتَبٍ آخَرَ لِسَيِّدِهِ وَلَيْسَ مَعَهُ في الْكِتَابَةِ. وَإِنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَ الْمُكَاتَبِ يَجْنِي عَلَى عَبْدِ سَيِّدِهِ وَبَيْنَ الْعَبْدِ يَجْنِي عَلَى عَبْدِ سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ لَوْ اسْتَهْلَكَ مَالًا لِسَيِّدِهِ كَانَ عَلَيْهِ غُرْمُهُ، وَلَوْ اسْتَهْلَكَ عَبْدٌ مَالًا لِسَيِّدِهِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ غُرْمٌ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ قَدْ أَحْرَزَ مَالَهُ وَرَقَبَتَهُ عَنْ السَّيِّدِ. وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ هَذَا الْمُكَاتَبَ جَنَى عَلَى مُكَاتَبٍ مَعَهُ في كِتَابَتِهِ فَقَتَلَهُ، كَأَنْ يَكُونَ لِلسَّيِّدِ عَلَيْهِ قِيمَةُ الْمَقْتُولِ، فَإِنْ عَجَزَ رَجَعَ رَقِيقًا وَسَقَطَ ذَلِكَ عَنْهُ. .في الْعَبْدَيْنِ يُكَاتَبَانِ كِتَابَةً وَاحِدَةً فيجْنِي أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ: قَالَ: لِلسَّيِّدِ أَنْ يَقْتَصَّ في الْعَمْدِ، فَإِنْ عَفَا السَّيِّدُ عَلَى أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ قِيمَةَ الْمُكَاتَبِ الْمَقْتُولِ فَذَلِكَ لَهُ، وَيَعْتِقُ هَذَا الْقَاتِلُ فيمَا أَخَذَ السَّيِّدُ مِنْهُ مِنْ قِيمَةِ الْمَقْتُولِ. قُلْت: فَلَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ أَجْنَبِيَّيْنِ - في كِتَابَةٍ وَاحِدَةٍ - قَتَلَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ عَمْدًا أَوْ خَطَأً؟ قَالَ: يَكُونُ في الْعَمْدِ لِلسَّيِّدِ الْقِصَاصُ إنْ أَحَبَّ، فَإِنْ اسْتَحْيَاهُ عَلَى أَنْ يَتْبَعَهُ بِقِيمَةِ الْمَقْتُولِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَهُ يَأْخُذُ مِنْهُ قِيمَةَ الْمَقْتُولِ وَيَعْتِقُ هَذَا الْقَاتِلُ في قِيمَةِ هَذَا الْمَقْتُولِ إنْ كَانَ فيهَا وَفَاءٌ بِالْكِتَابَةِ، ثُمَّ يَرْجِعُ السَّيِّدُ عَلَى هَذَا الْقَاتِلِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الْكِتَابَةِ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ في قِيمَةِ الْمَقْتُولِ وَفَاءٌ بِالْكِتَابَةِ أَخَذَ السَّيِّدُ ذَلِكَ وَحَسَبَ ذَلِكَ لَهُ مِنْ آخِرِ الْكِتَابَةِ، فَإِنْ أَدَّى وَعَتَقَ هَذَا الْقَاتِلُ رَجَعَ عَلَيْهِ السَّيِّدُ بِمَا كَانَ يُصِيبُ حِصَّةَ هَذَا الْقَاتِلِ مِمَّا حُسِبَ لَهُ مِنْ قِيمَةِ الْمَقْتُولِ في الْكِتَابَةِ. قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ مُكَاتَبَيْنِ كُوتِبَا جَمِيعًا كِتَابَةً وَاحِدَةً؛ فَجَنَى أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ خَطَأً أَوْ عَمْدًا، كَانَا ذَوِي قَرَابَةٍ أَوْ أَجْنَبِيَّيْنِ مَا حَالُهُمَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: عَلَى الْقَاتِلِ قِيمَةُ الْمَقْتُولِ وَيَعْتِقُ الْقَاتِلُ فيهَا، وَيَرْجِعُ السَّيِّدُ عَلَيْهِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الْكِتَابَةِ وَيَعْتِقُ هَذَا الْبَاقِي وَيَرْجِعُ السَّيِّدُ عَلَيْهِ بِحِصَّتِهِ. قَالَ: وَسَوَاءٌ إنْ قَتَلَهُ هَذَا الَّذِي مَعَهُ في الْكِتَابَةِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً، كَانَا ذَوِي قَرَابَةٍ أَوْ أَجْنَبِيَّيْنِ، فَذَلِكَ سَوَاءٌ. وَيَعْتِقُ الْقَاتِلُ في قِيمَةِ الْمَقْتُولِ وَيَرْجِعُ السَّيِّدُ عَلَيْهِمَا جَمِيعًا بِمَا عَتَقَا بِهِ مِنْ قِيمَةِ الْمَقْتُولِ بِمَا يَنُوبُهُ في رَأْيِي؛ لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ عَلَى الْقَاتِلِ أَنْ يَكُونَ إنَّمَا قَتَلَهُ لِيَتَعَجَّلَ عِتْقَهُ، وَهُوَ قَدْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَتَعَجَّلَ مَا أَغْرَمَهُ سَيِّدُهُ مِنْ قِيمَةِ الْمَقْتُولِ وَيَعْتِقُ، فَلَيْسَ هَاهُنَا تُهْمَةٌ أَتَّهِمُهُ بِهَا فَلِذَلِكَ أَعْتِقُهُ بِهِ. وَإِنَّمَا الَّذِي سَمِعْتُ أَنَّهُ لَا يَعْتِقُ أَنْ لَوْ كَانَ لِلْمَقْتُولِ مَالٌ يَعْتِقُ بِهِ الْقَاتِلُ فَاسْتَحْيَا لَمْ يَعْتِقْ إنْ قَتَلَهُ عَمْدًا في تَرِكَتِهِ لِمَا اُتُّهِمَ عَلَيْهِ مِنْ تَعْجِيلِ عِتْقِهِ في مَالِ الْمَقْتُولِ، وَتَكُونُ عَلَيْهِ قِيمَةُ الْمَقْتُولِ. فَإِنْ كَانَ في ذَلِكَ كَفَافًا لِلْكِتَابَةِ عَتَقَ وَتَبِعَهُ السَّيِّدُ بِمَا يَنُوبُهُ مِنْهَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ قِيمَةُ الْمَقْتُولِ عَجَزَ وَرَجَعَ رَقِيقًا وَعَتَقَ في الْمَالِ إنْ قَتَلَهُ خَطَأً؛ لِأَنَّ الْحُرَّ يَرِثُ مِنْ الْمَالِ وَلَا يَرِثُ مِنْ الدِّيَةِ، فَكَذَلِكَ الْمُكَاتَبُ في مَالِ الْمَقْتُولِ لَا يَعْتِقُ في مَالِهِ إنْ كَانَ قَتَلَهُ عَمْدًا فيمَا تَرَكَ، وَيَعْتِقُ إنْ كَانَ قَتَلَهُ خَطَأً فيمَا تَرَكَ؛ لِأَنَّهُ لَا تُهْمَةَ عَلَيْهِ - وَهَذَا أَحْسَنُ مَا سَمِعْتُ - وَيَكُونُ عَلَيْهِ قِيمَةُ الْمَقْتُولِ فَكَذَلِكَ الْأَجْنَبِيُّونَ إلَّا أَنَّ السَّيِّدَ في الْأَجْنَبِيِّ يَتْبَعُهُ بِمَا أَدَّى عَنْهُ مِنْ الْمَالِ الَّذِي تَرَكَهُ الْمُكَاتَبُ إذَا كَانَ قَتَلَهُ خَطَأً، وَيَرْجِعُ عَلَيْهِ السَّيِّدُ أَيْضًا بِقِيمَةِ الْمَقْتُولِ وَلَا يَتْبَعُ السَّيِّدُ في الْمَالِ إذَا كَانَا أَخَوَيْنِ بِمَا أَدَّى عَنْهُ مِنْ قِيمَةِ الْكِتَابَةِ؛ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَمْ يَكُنْ يَتْبَعُهُ لَوْ أَدَّى عَنْهُ، وَإِنَّمَا يَتْبَعُ في الدِّيَةِ السَّيِّدُ مَنْ كَانَ يَتْبَعُهُ هُوَ مِمَّنْ كَانَ مَعَهُ، وَيَسْقُطُ عَمَّنْ كَانَ لَا يَتْبَعُهُ لَوْ أَدَّى عَنْهُ في الْخَطَأِ، وَيَكُونُ عَلَى الْأَخِ قِيمَةُ أَخِيهِ لِأَنَّهُ لَا يَرِثُ مِنْ الْقِيمَةِ، فَلِذَلِكَ يَكُونُ عَلَيْهِ. .في ذَوِي الْقَرَابَةِ يُكَاتَبُونَ كِتَابَةً وَاحِدَةً ثُمَّ يَجْنِي بَعْضُهُمْ: قَالَ: يُقَالُ لِلَّذِينَ مَعَهُ في الْكِتَابَةِ: أَدُّوا الْجِنَايَةَ وَإِلَّا رَجَعْتُمْ رَقِيقًا. فَإِنْ رَجَعُوا رَقِيقًا قِيلَ لِلسَّيِّدِ: ادْفَعْ الْجَانِيَ وَحْدَهُ بِجِنَايَتِهِ أَوْ افْدِهِ. قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ أَدَّى عَنْ الْجَانِي قَرَابَتُهُ الَّذِينَ مَعَهُ في الْكِتَابَةِ - وَهُمْ إخْوَتُهُ أَوْ وَالِدُهُ - فَعَتَقُوا، هَلْ يَرْجِعُونَ عَلَيْهِ بِمَا أَدَّوْا عَنْهُ مَنْ الْجِنَايَةِ؟ قَالَ: لَا؛ لِأَنَّهُ مِلْكٌ افْتَكُّوهُ حِينَ أَدَّوْا عَنْهُ. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اشْتَرَاهُ وَهُوَ مُكَاتَبٌ فَعَتَقَ لَعَتَقَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَتْبَعْهُ بِشَيْءٍ مِنْ ثَمَنِهِ، فَكَذَلِكَ مَا افْتَكَّهُ بِهِ لَا يَتْبَعُهُ بِشَيْءٍ. قُلْت: أَرَأَيْتَ لَوْ أَنَّ مُكَاتَبَيْنِ كُوتِبَا جَمِيعًا كِتَابَةً وَاحِدَةً، فَجَنَى أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ خَطَأً أَوْ عَمْدًا - كَانَا ذَا قَرَابَةٍ أَوْ أَجْنَبِيَّيْنِ - مَاذَا عَلَيْهِمَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: عَلَى الْقَاتِلِ قِيمَةُ الْمَقْتُولِ، وَيَعْتِقُ الْقَاتِلُ فيهَا وَيَرْجِعُ السَّيِّدُ عَلَيْهِ بِحِصَّتِهِ مِنْ الْكِتَابَةِ. قَالَ: وَسَوَاءٌ إنْ قَتَلَهُ الَّذِي مَعَهُ في الْكِتَابَةِ أَوْ قَتَلَهُ أَجْنَبِيٌّ، كَانَا ذَا قَرَابَةٍ أَوْ أَجْنَبِيَّيْنِ، فَذَلِكَ سَوَاءٌ. قَالَ سَحْنُونٌ: وَيَعْتِقُ الْقَاتِلُ في قِيمَةِ الْمَقْتُولِ، وَلَا يَتْبَعُ الَّذِي عَتَقَ بِاَلَّذِي أَدَّى عَنْهُ إذَا كَانَ مِمَّنْ لَا يَجُوزُ لَهُ مِلْكُهُ، وَكَانَتْ الْجِنَايَةُ مِنْ أَجْنَبِيٍّ. قُلْت: أَرَأَيْتَ الْمُكَاتَبَيْنِ إذَا جَنَى أَحَدُهُمَا جِنَايَةً؟ قَالَ: يُقَالُ لِلْجَانِي: افْتَكَّ رَقَبَتَكَ بِدِيَةِ جِنَايَتِكَ، فَإِنْ عَجَزَ قِيلَ لِأَصْحَابِهِ: افْتَكُّوهُ بِدِيَةِ الْجِنَايَةِ، فَإِنْ أَبَوْا صَارُوا رَقِيقًا كُلُّهُمْ. وَإِنْ لَمْ يَحِلَّ شَيْءٌ مِنْ نُجُومِهِمْ ثُمَّ قِيلَ لِلسَّيِّدِ: ادْفَعْ الْجَانِيَ وَحْدَهُ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ إنَّمَا هِيَ في رَقَبَتِهِ فَحَيْثُمَا زَالَ زَالَتْ مَعَهُ، أَوْ افْدِهِ بِدِيَةِ الْجِنَايَةِ. .في جِنَايَةِ الْمُكَاتَبَةِ عَلَى وَلَدِهَا: أَيَكُونُ ذَلِكَ لَهُ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ في الْوَالِدِ يَقْتُلُ وَلَدَهُ: إنَّهُ لَا يُقَادُ مِنْهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ عَمَدَ لِقَتْلِهِ، مِثْلَ أَنْ يُضْجِعَهُ فيذْبَحَهُ، فَأَمَّا مَا رَمَاهُ أَوْ ضَرَبَهُ بِهِ أَوَحَذَفَهُ بِهِ فَإِنَّهُ لَا يُقَادُ مِنْهُ، فَكَذَلِكَ مَسْأَلَتُكَ عَلَى هَذَا. .في عَبْدِ الْمُكَاتَبِ يُجْرَحُ فيرِيدُ الْمُكَاتَبُ أَنْ يَقْتَصَّ وَيَأْبَى سَيِّدُهُ إلَّا الْعَفْوَ وَأَخْذَ الْعَقْلِ: قَالَ: أَرَى أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِلسَّيِّدِ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ. يَمْنَعُهُ مِنْ هِبَةِ مَالِهِ وَمِنْ صَدَقَتِهِ. وَلَوْ أَرَادَ الْمُكَاتَبُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْ قَاتِلِ عَبْدِهِ في عَمْدٍ أَوْ خَطَأٍ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ إذَا أَبَى السَّيِّدُ، وَلَكِنْ يُقَالُ لِسَيِّدِ الْعَبْدِ الْقَاتِلِ إذَا عَفَا السَّيِّدُ: ادْفَعْ عَبْدَكَ إلَى الْمُكَاتَبِ أَوْ افْدِهِ بِقِيمَةِ عَبْدِ الْمُكَاتَبِ الْمَقْتُولِ. قَالَ: وَلَقَدْ سَأَلْتُ مَالِكًا عَنْ الْعَبْدِ يَجْرَحُ الْعَبْدَ عَمْدًا فيقُولُ سَيِّدُ الْعَبْدِ الْمَجْرُوحِ: لَا أَقْتَصُّ وَلَكِنْ آخُذُ هَذَا الْجَانِيَ عَلَى عَبْدِي، أَوْ يَدْفَعُ إلَيَّ دِيَةَ جُرْحِ عَبْدِي فيقُولُ سَيِّدُ الْجَارِحِ: لَيْسَ ذَلِكَ لَكَ، وَلَكِنْ اقْتَصَّ؛ أَنَّ الْقَوْلَ في ذَلِكَ قَوْلُ سَيِّدِ الْعَبْدِ الْمَجْرُوحِ، وَيُخَيَّرُ سَيِّدُ الْجَارِحِ فَإِمَّا أَسْلَمَ عَبْدَهُ بِجِنَايَتِهِ، وَإِمَّا افْتَكَّهُ بِثَمَنِ جُرْحِ الْعَبْدِ الْمَجْرُوحِ. قَالَ مَالِكٌ وَكَذَلِكَ هَذَا في الْقَتْلِ هُوَ مِثْلُ مَا وَصَفْتُ لَكَ فَأَرَى مَسْأَلَتَكَ تُشْبِهُ هَذَا، وَلَيْسَ لِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَتْرُكَ مَالًا قَدْ وَجَبَ لَهُ مِنْ دِيَةِ عَبْدٍ كَانَ لَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ مَعْرُوفٌ في مَالِهِ إذَا مَنَعَهُ سَيِّدُهُ - في قَوْلِ مَالِكٍ - إلَّا أَنْ يُؤَدِّيَ الْمُكَاتَبُ جَمِيعَ مَا عَلَيْهِ مِنْ الْكِتَابَةِ، وَيَكُونُ لَهُ أَنْ يَعْفُوَ أَوْ يَقْتُلَ، وَقَدْ كَتَبْنَا آثَارَ هَذَا الْأَصْلِ قَبْلَ هَذَا. .في سَيِّدِ الْمُكَاتَبِ يَجْنِي عَلَى مُكَاتَبِ مُكَاتَبِهِ: قَالَ: يُقَالُ لِلسَّيِّدِ: ادْفَعْ قِيمَةَ الْمُكَاتَبِ الثَّانِي إلَى الْمُكَاتَبِ الْأَعْلَى. فَإِنْ كَانَ في قِيمَتِهِ وَفَاءٌ بِالْكِتَابَةِ - كِتَابَةِ الثَّانِي - عَتَقَ أَوْلَادُ الْمُكَاتَبِ الثَّانِي، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فيهِ وَفَاءٌ سَعَى أَوْلَادُ الْمُكَاتَبِ الثَّانِي فيمَا بَقِيَ، عَلَى أَبِيهِمْ، وَيَكُونُ الْمُكَاتَبُ الْأَوَّلُ عَلَى حَالِهِ يَسْعَى في بَقِيَّةِ كِتَابَتِهِ. قُلْت: وَلَا يَكُونُ لِلسَّيِّدِ الْأَوَّلِ أَنْ يَحْبِسَ قِيمَةَ الْمُكَاتَبِ الثَّانِي عَنْ الْمُكَاتَبِ الْأَوَّلِ؟ قَالَ: لَا؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ الثَّانِيَ وَوَلَدَهُ مَالٌ لِلْمُكَاتَبِ الْأَوَّلِ، وَلَيْسَ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ الْأَوَّلِ وَلَا بِمَنْزِلَةِ وَلَدِهِ، وَلِأَنَّ وَلَدَ الْمُكَاتَبِ الْأَوَّلِ مَالٌ لِلسَّيِّدِ؛ لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ لَا يَمْلِكُ وَلَدَهُ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ عَبْدٌ فَجَنَى عَلَيْهِ أَحَدٌ جِنَايَةً كَانَتْ الْجِنَايَةُ لِلْمُكَاتَبِ وَلَمْ يَكُنْ لِلسَّيِّدِ الْأَوَّلِ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ، وَإِنَّمَا هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْبَيْعِ كَأَنَّهُ بَاعَهُ. وَكَذَلِكَ مُكَاتَبُ الْمُكَاتَبِ إنَّمَا هُوَ عَبْدٌ لِلْمُكَاتَبِ الْأَوَّلِ، أَلَا تَرَى أَنَّ السَّيِّدَ نَفْسَهُ لَوْ جَنَى عَلَى عَبْدٍ لِمُكَاتَبِهِ، كَانَ عَلَى سَيِّدِهِ قِيمَةُ جِنَايَةِ الْعَبْدِ يَدْفَعُهَا إلَى الْمُكَاتَبِ، فَكَذَلِكَ مَسْأَلَتُكَ. قَالَ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ. .في إقْرَارِ الْمُكَاتَبِ بِالْجِنَايَةِ وَالدَّيْنِ: قَالَ: أَمَّا الدَّيْنُ فَلَازِمٌ لَهُ - عِنْدَ مَالِكٍ - في ذِمَّتِهِ، وَأَمَّا الْجِنَايَةُ فَلَا تَلْزَمُهُ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: إقْرَارُ الْعَبْدِ بِالْجِنَايَةِ لَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ، فَكَذَلِكَ الْمُكَاتَبُ لَا يَلْزَمُهُ إقْرَارُهُ بِالْجِنَايَةِ. فَإِنْ عَجَزَ رَجَعَ رَقِيقًا وَلَمْ يَكُنْ عَلَى السَّيِّدِ مِنْ إقْرَارِهِ بِالْجِنَايَةِ شَيْءٌ وَيَتْبَعُهُ أَصْحَابُ الدَّيْنِ في ذِمَّتِهِ، فَإِنْ عَتَقَ بَعْدَمَا عَجَزَ لَمْ يَلْزَمْهُ إقْرَارُهُ بِالْجِنَايَةِ. قُلْت: وَكَذَلِكَ لَوْ أَنَّ عَبْدًا أَقَرَّ بِجِنَايَةٍ فَأَعْتَقَهُ سَيِّدُهُ، لَمْ يَلْزَمْهُ عَقْلُ الْجِنَايَةِ في قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: لَا. .في الْمُكَاتَبِ يَمُوتُ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ وَجِنَايَةٌ: قَالَ: أَهْلُ الدَّيْنِ أَوْلَى بِمَالِهِ مِنْ أَهْلِ الْجِنَايَةِ؛ لِأَنَّ الْجِنَايَةَ في رَقَبَتِهِ وَالدَّيْنَ لَيْسَ في رَقَبَتِهِ. قُلْت: فَإِنْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ وَقَدْ جَنَى جِنَايَةً خَطَأً؟ قَالَ: أَهْلُ الْجِنَايَةِ أَوْلَى بِمَالِهِ مِنْ سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّ جِنَايَتَهُ في رَقَبَتِهِ وَفي مَالِهِ. وَإِنْ كَانَ جَنَى وَعَلَيْهِ دَيْنٌ فَإِنَّمَا جِنَايَتُهُ في رَقَبَتِهِ وَالدَّيْنُ في مَالِهِ. وَقَالَ مَالِكٌ: في الْعَبْدِ يَجْنِي جِنَايَةً: إنَّ مَالَهُ وَرَقَبَتَهُ في جِنَايَتِهِ يُقَالُ لِلسَّيِّدِ: ادْفَعْهُ وَمَالَهُ أَوْ افْدِهِ بِجَمِيعِ عَقْلِ جِنَايَتِهِ. فَقِيلَ لِمَالِكٍ: فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ؟ قَالَ: دَيْنُهُ أَوْلَى بِمَالِهِ وَجِنَايَتُهُ في رَقَبَتِهِ. قُلْت: فَإِنْ عَجَزَ الْمُكَاتَبُ عَنْ أَدَاءِ الْعَقْلِ فَأَدَّاهُ عَنْهُ سَيِّدُهُ، أَيَكُونُ عَلَى كِتَابَتِهِ أَمْ يَكُونُ عَبْدًا في قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: إذَا لَمْ يَقْوَ عَلَى أَدَاءِ الْجِنَايَةِ رُدَّ رَقِيقًا وَخُيِّرَ سَيِّدُهُ، فَإِنْ شَاءَ افْتَكَّهُ وَإِنْ شَاءَ دَفَعَهُ. وَقَالَ مَالِكٌ في الْعَبْدِ يَجُرُّ الْجَرِيرَةَ وَلَهُ مَالٌ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ: إنَّ مَالَهُ في دَيْنِهِ وَجَرِيرَتَهُ في رَقَبَتِهِ، فَكَذَلِكَ كَانَ مَا قُلْت لَكَ. قُلْت: فَإِنْ مَاتَ الْمُكَاتَبُ وَتَرَكَ وَلَدًا حَدَثُوا مَعَهُ في الْكِتَابَةِ وَلَمْ يَتْرُكْ مَالًا، وَعَلَى الْمُكَاتَبِ دَيْنٌ لِلنَّاسِ وَجِنَايَاتٌ كَانَ جَنَاهَا؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: الْجِنَايَاتُ في رَقَبَةِ الْمُكَاتَبِ، وَالْمُكَاتَبُ إذَا مَاتَ وَلَيْسَ لَهُ مَالٌ بَطَلَتْ الْجِنَايَةُ - عِنْدَ مَالِكٍ - إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمُكَاتَبِ مَالٌ. وَأَمَّا دَيْنُ الْمُكَاتَبِ، فَإِنَّ مَالِكًا قَالَ: دَيْنُهُ في مَالِهِ، فَإِنْ مَاتَ هَذَا الْمُكَاتَبُ وَلَا مَالَ لَهُ فَلَا شَيْءَ لِلْغَرِيمِ وَقَدْ بَطَلَ دَيْنُهُ. قُلْت: أَفَلَا يَكُونُ لِغَرِيمِ الْمُكَاتَبِ فيمَا في يَدَيْ الِابْنِ مِنْ الْمَالِ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، لَا شَيْءَ لَهُ مِمَّا في يَدَيْ الِابْنِ إذَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَالًا لِلْأَبِ وَلَا يَلْزَمُهُ مِنْ دَيْنِهِ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: دَيْنُ الْمُكَاتَبِ في مَالِهِ وَالِابْنُ لَيْسَ بِمَالِهِ. فَمَا اكْتَسَبَ الِابْنُ الَّذِي حَدَثَ في الْكِتَابَةِ مِنْ مَالٍ فَلَيْسَ لِأَبِيهِ أَنْ يَنْزِعَهُ مِنْهُ إلَّا أَنْ يَعْجِزَ وَلِابْنِهِ مَالٌ ظَاهِرٌ فيأْخُذُ مِنْ مَالِ الِابْنِ الْكِتَابَةَ إذَا كَانَتْ قَدْ حَلَّتْ، وَإِلَّا فَمَا حَلَّ مِنْهَا. فَهَذَا يَدُلُّكَ عَلَى أَنَّ دَيْنَ الْمُكَاتَبِ لَا يَكُونُ عَلَى ابْنِهِ، وَهَذَا كُلُّهُ مِنْهُ قَوْلُ مَالِكٍ وَمِنْهُ رَأْيِي وَلَا يَكُونُ عَلَى الِابْنِ مِنْ جِنَايَةِ أَبِيهِ شَيْءٌ. وَإِذَا اجْتَمَعَتْ الْجِنَايَةُ وَالدَّيْنُ عَلَى الْمُكَاتَبِ وَقَدْ مَاتَ وَلَهُ مَالٌ، فَدِيَتُهُ أَوْلَى بِمَالِهِ، فَإِنْ فَضَلَتْ فَضْلَةٌ كَانَتْ لِأَهْلِ الْجِنَايَةِ حَتَّى يَسْتَوْفُوا الْجِنَايَةَ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: كُلُّ عَبْدٍ جَنَى جِنَايَةً فَإِنَّ سَيِّدَهُ مُخَيَّرٌ فيهَا، فَإِذَا مَاتَ الْعَبْدُ قَبْلَ أَنْ يُخَيَّرَ السَّيِّدُ بَطَلَتْ الْجِنَايَةُ. فَالْوَلَدُ في هَذَا الْوَجْهِ بِمَنْزِلَةِ السَّيِّدِ يُخَيَّرُونَ، إنْ كَانَ أَبُوهُمْ حَيًّا إذَا لَمْ يَكُنْ فيهِ قُوَّةٌ عَلَى أَدَاءِ الْجِنَايَةِ في أَنْ يُؤَدُّوا أَوْ يَعْجِزُوا، فَإِذَا مَاتَ أَبُوهُمْ سَقَطَ عَنْهُمْ مَا كَانَ لِأَوْلِيَاءِ الْجِنَايَةِ مِنْ الْجِنَايَةِ، كَمَا يَسْقُطُ عَلَى السَّيِّدِ مَا كَانَ لَهُمْ مِنْ جِنَايَتِهِمْ حِينَ مَاتَ الْمُكَاتَبُ إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ مَالٌ. وَلَوْ قَامَ بِذَلِكَ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ في حَيَاةِ الْأَبِ وَاخْتَارُوا الْمُضِيَّ عَلَى الْكِتَابَةِ، فَإِنَّهُ إنْ مَاتَ الْأَبُ قَبْلَ أَنْ يُؤَدِّيَ الْجِنَايَةَ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُمْ مِنْهَا قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ. قَالَ مَالِكٌ: وَلَوْ أَنَّ سَيِّدَ الْمُكَاتَبِ عَجَّلَ لَهُ عِتْقَهُ أَوْ أَعْتَقَ رَجُلَ عَبْدِهِ، فَكَتَبَ السَّيِّدُ عَلَيْهِمَا مَالًا يَدْفَعَانِهِ إلَى السَّيِّدِ دَيْنًا لَهُ عَلَيْهِمَا، وَعَجَّلَ لَهُمَا الْعِتْقَ وَثَبَتَتْ حُرْمَتُهُمَا، ثُمَّ مَاتَا أَوْ أَفْلَسَا، لَمْ يَدْخُلْ السَّيِّدُ عَلَى الْغُرَمَاءِ، وَكَانَ أَهْلُ الدَّيْنِ أَوْلَى بِمَالِهِمْ مِنْ السَّيِّدِ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ إنَّمَا يَتْبَعُهُ بِثَمَنِ رَقَبَتِهِ، وَلَيْسَ لَهُ فيمَا في يَدَيْ الْعَبْدِ قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ. وَإِنْ بَقِيَ لَهُ مِنْ مَالِهِ بَقِيَّةٌ بَعْدَ تَأْدِيَةِ الدَّيْنِ حِينَ فَلَّسُوهُ، أَخَذَهُ السَّيِّدُ الَّذِي عَجَّلَ لَهُ الْعِتْقَ، وَإِنْ كَانَ مُكَاتَبًا لَمْ يَكُنْ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى الْعَبْدِ فيمَا بَقِيَ لَهُ وَكَانَ عَلَى نُجُومِهِ الْأُولَى، وَلَيْسَ يَقْدِرُ السَّيِّدُ أَنْ يُفَلِّسَ مُكَاتَبَهُ إلَّا إذَا عَجَزَ عَنْ أَدَاءِ النُّجُومِ، فَإِنَّهُ يَقُومُ عِنْدَ مَحَلِّهَا فينْظُرُ في حَالِ الْعَبْدِ في الْعَجْزِ وَالْأَدَاءِ. .في الْمُكَاتَبَةِ تَجْنِي جِنَايَةً ثُمَّ تَلِدُ وَلَدًا ثُمَّ تَمُوتُ الْأُمُّ: قَالَ: وَبَلَغَنِي عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ في الْأَمَةِ إذَا جَنَتْ جِنَايَةً ثُمَّ وَلَدَتْ بَعْدَ الْجِنَايَةِ وَمَاتَتْ الْأُمُّ: إنَّهُ لَا شَيْءَ لِوَلِيِّ الْجِنَايَةِ عَلَى الْوَلَدِ وَلَا عَلَى السَّيِّدِ، وَإِنَّمَا حَقُّهُمْ في رَقَبَةِ الْأُمِّ فَقَدْ ذَهَبَتْ الْأُمُّ. قَالَ مَالِكٌ: وَالْوَلَدُ لَيْسَ بِمَالٍ لَهَا فيتْبَعُهَا فيهِ أَوْلِيَاءُ الْجِنَايَةِ فيكُونُ ذَلِكَ في رَقَبَتِهِ. قَالَ مَالِكٌ: وَلَوْ لَمْ تَكُنْ مَاتَتْ لَمْ تَكُنْ الْجِنَايَةُ إلَّا في رَقَبَتِهَا، وَلَا يَكُونُ وَلَدُهَا في جِنَايَتِهَا وَإِنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ قَبْلَ أَنْ تَلِدَ، أَخْبَرَنِيهِ عَنْ مَالِكٍ غَيْرُ وَاحِدٍ مِمَّنْ أَثِقُ بِهِ. .كِتَابُ الدِّيَاتِ: .(مَا جَاءَ في دِيَاتِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَنِسَائِهِمْ): قُلْت لِابْنِ الْقَاسِمِ: كَمْ دِيَاتُ أَهْلِ الْكِتَابِ - في قَوْلِ مَالِكٍ - وَدِيَةُ نِسَائِهِمْ؟ قَالَ: دِيَةُ أَهْلِ الْكِتَابِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ الْمُسْلِمِينَ؛ رِجَالُهُمْ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ رِجَالِ الْمُسْلِمِينَ، وَنِسَاؤُهُمْ عَلَى النِّصْفِ مِنْ دِيَةِ نِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ. وَأَمَّا الْمَجُوسُ، فَإِنَّ دِيَةَ رِجَالِهِمْ ثَمَانُمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَدِيَةُ نِسَائِهِمْ أَرْبَعُمِائَةِ دِرْهَمٍ، وَجِرَاحَاتُهُمْ في دِيَاتِهِمْ عَلَى قَدْرِ جِرَاحَاتِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ دِيَاتِهِمْ. قَالَ: وَهَذَا كُلُّهُ قَوْلُ مَالِكٍ. قُلْت: أَرَأَيْتَ الْمُسْلِمَ إذَا قَتَلَ الذِّمِّيَّ خَطَأً، هَلْ تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ؟ قَالَ: نَعَمْ تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ. قُلْت: فَفي كَمْ تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ: أَفي ثَلَاثِ سِنِينَ أَوْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ في قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: لَمْ أُوقِفْ مَالِكًا عَلَى هَذَا، وَلَكِنِّي أَرَى أَنَّ الْعَاقِلَةَ تَحْمِلُهُ في ثَلَاثِ سِنِينَ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ في الدِّيَةِ: تَحْمِلُهَا الْعَاقِلَةُ في ثَلَاثِ سِنِينَ. قُلْت: وَدِيَةُ الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ، في كَمْ تَحْمِلُهَا الْعَاقِلَةُ؟ قَالَ: مَا سَمِعْتُ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا إلَّا أَنَّهُ قَالَ في الدِّيَةِ تُحْمَلُ عَلَى الْعَاقِلَةِ في ثَلَاثِ سِنِينَ. وَأَنَا أَرَى الدِّيَاتِ كُلَّهَا، دِيَةَ الرَّجُلِ وَدِيَةَ الْمَرْأَةِ وَدِيَةَ النَّصْرَانِيِّ وَدِيَةَ النَّصْرَانِيَّةِ إذَا وَقَعَتْ: أَنَّهَا تُنَجَّمُ في ثَلَاثِ سِنِينَ. قُلْت: أَرَأَيْتَ دِيَةَ الْمَجُوسِيِّ وَدِيَةَ الْمَجُوسِيَّةِ، أَتُنَجَّمُ أَيْضًا عَلَى الْعَاقِلَةِ في ثَلَاثِ سِنِينَ؟ وَدِيَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ كَذَلِكَ أَيْضًا؟ قَالَ: نَعَمْ، وَلَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا إلَّا مَا أَخْبَرْتُكَ أَنَّ مَالِكًا قَالَ: الدِّيَةُ تَحْمِلُهَا الْعَاقِلَةُ في ثَلَاثِ سِنِينَ. .(مَا جَاءَ في الْمُسْلِمِ يَجْنِي عَلَى الْمُسْلِمَةِ ثُلُثَ دِيَتِهَا): قُلْت: أَرَأَيْتَ الْمَرْأَةَ الْمَجُوسِيَّةَ إذَا جَنَى عَلَيْهَا الرَّجُلُ الْمُسْلِمُ جِنَايَةً خَطَأً تَبْلُغُ ثُلُثَ دِيَتِهَا، أَتَحْمِلُهَا الْعَاقِلَةُ؟ قَالَ: نَعَمْ، تَحْمِلُ ذَلِكَ الْعَاقِلَةُ إذَا بَلَغَتْ الْجِنَايَةُ ثُلُثَ دِيَةِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَوْ ثُلُثَ دِيَةِ الْجَانِي - في قَوْلِ مَالِكٍ - لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ في الرَّجُلِ يَجْنِي عَلَى الْمَرْأَةِ فيبْلُغُ ثُلُثَ دِيَةِ الْمَرْأَةِ: إنَّ عَاقِلَةَ الرَّجُلِ تَحْمِلُ ذَلِكَ. وَتَفْسِيرُ ذَلِكَ؛ لَوْ أَنَّ رَجُلًا قَطَعَ مِنْ الْمَرْأَةِ أُصْبُعَيْنِ خَطَأً حَمَلَتْ ذَلِكَ عَاقِلَتُهُ؛ لِأَنَّ عِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ أَكْثَرُ مِنْ ثُلُثِ دِيَةِ الْمَرْأَةِ. قُلْت: فَلَوْ أَنَّ امْرَأَةً جَنَتْ عَلَى رَجُلٍ فَقَطَعَتْ مِنْ الرَّجُلِ أُصْبُعَيْنِ خَطَأً؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مِنْ ثُلُثِ دِيَتِهَا، وَإِنَّمَا يُنْظَرُ في هَذَا إلَى الْجَانِي إذَا جَنَى، فَإِنْ كَانَ قَدْ جَنَى مَا يَبْلُغُ ثُلُثَ دِيَتِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ عَلَى الْعَاقِلَةِ، وَإِنْ كَانَتْ جِنَايَتُهُ لَا تَبْلُغُ ثُلُثَ دِيَتِهِ نَظَرْتُ، فَإِنْ كَانَتْ تَبْلُغُ ثُلُثَ دِيَةِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ حَمَلَتْهُ الْعَاقِلَةُ أَيْضًا. قُلْت: وَأَصْلُ هَذَا إنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ تَبْلُغُ ثُلُثَ دِيَةِ الْجَانِي أَوْ ثُلُثَ دِيَةِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ حَمَلَتْهُ الْعَاقِلَةُ في قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. .(مَا جَاءَ في الْمَجُوسِيِّ وَالْمَجُوسِيَّةِ يَجْنِيَانِ عَلَى الْمُسْلِمِ): قُلْت: فَلَوْ أَنَّ مَجُوسِيَّةً جَنَتْ عَلَى رَجُلٍ مَنْ الْمُسْلِمِينَ مَا يَبْلُغُ ثُلُثَ دِيَتِهَا هِيَ، أَيَحْمِلُهَا أَهْلُ خَرَاجِهَا؟ أَوْ رَجُلًا مَنْ الْمَجُوسِ جَنَى عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ مَا يَبْلُغُ ثُلُثَ دِيَةِ الْمَجُوسِ، أَيَحْمِلُ أَهْلُ خَرَاجِهِ هَذِهِ الْجِنَايَةَ أَمْ لَا؟ وَقَدْ قُلْت إنَّ مَالِكًا قَالَ: إنَّ لَهُمْ عَوَاقِلَ وَهُمْ أَهْلُ خَرَاجِهِمْ. قَالَ: أَرَى في الْمَرْأَةِ أَنَّ أَهْلَ خَرَاجِهَا يَحْمِلُونَ ذَلِكَ. قُلْت: وَيَحْمِلُونَ جِنَايَةَ نِسَائِهِمْ إذَا جَنَتْ الْمَرْأَةُ مِنْهُمْ مَا يَبْلُغُ ثُلُثَ دِيَتِهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، وَيَحْمِلُ الرَّجُلُ ذَلِكَ مِنْهُمْ وَلَا يَكُونُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى النِّسَاءِ شَيْءٌ. قُلْت لِمَالِكٍ: وَالنَّصْرَانِيُّ إذَا جَنَى جِنَايَةً، مَنْ يَحْمِلُ ذَلِكَ؟ قَالَ: أَهْلُ جِزْيَتِهِ وَهُمْ أَهْلُ كُورَتِهِ الَّذِينَ خَرَاجُهُ مَعَهُمْ. .مَا جَاءَ في قِيمَةِ عَبْدِ النَّصَارَى وَالْمَجُوس: قَالَ: عَبِيدُهُمْ - عِنْدَ مَالِكٍ - سِلْعَةٌ مِنْ السِّلَعِ، عَلَى الْقَاتِلِ مَبْلَغُ قِيمَتِهِ - مَا بَلَغَتْ - وَإِنْ كَانَتْ مِائَةَ أَلْفٍ، بِمَنْزِلَةِ عَبِيدِ الْمُسْلِمِينَ، عَلَى قَاتِلِ الْعَبْدِ مِنْ عَبِيدِهِمْ قِيمَتُهُ، بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ وَإِنْ بَلَغَتْ مِائَةَ أَلْفٍ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ سِلْعَةٌ مِنْ السِّلَعِ. وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، إلَّا أَنَّ في مَأْمُومَتِهِ وَجَائِفَتِهِ، في كُلِّ وَاحِدَةٍ ثُلُثَ ثَمَنِهِ، وَفي مَنْقَلَتِهِ عُشْرُ ثَمَنِهِ وَنِصْفُ عُشْرِ ثَمَنِهِ، وَفي مُوضِحَتِهِ نِصْفُ عُشْرِ ثَمَنِهِ، وَفيمَا بَعْدَ هَذِهِ الْأَرْبَعِ الْخِصَالِ مِمَّا يُصَابُ بِهِ الْعَبْدُ مَا نَقَصَ مِنْ ثَمَنِهِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. .مَا جَاءَ في أَهْلِ الذِّمَّةِ إذَا جَنَى بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ أَتَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ؟ قَالَ: أَرَى أَنَّ ذَلِكَ عَلَى عَاقِلَتِهِ إذَا كَانَ خَطَأً؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ: إذَا قَتَلَ النَّصْرَانِيُّ رَجُلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ خَطَأً إنَّ عَاقِلَةَ النَّصْرَانِيِّ تَحْمِلُ ذَلِكَ. وَقَالَ مَالِكٌ: وَمَا تَظَالَمُوا بِهِ بَيْنَهُمْ فَإِنَّ السُّلْطَانَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فيهِ. فَأَرَى أَنَا أَنَّ عَاقِلَتَهُ تَحْمِلُ ذَلِكَ. قَالَ: وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا جَنَى الرَّجُلُ عَلَى الْمَرْأَةِ جِنَايَةً تَبْلُغُ ثُلُثَ دِيَةِ الْمَرْأَةِ فَإِنَّ الْعَاقِلَةَ تَحْمِلُ ذَلِكَ أَيْضًا. قَالَ مَالِكٌ: وَهَذَا أَبْيَنُ عِنْدِي مِنْ الْمَرْأَةِ إذَا جَنَتْ عَلَى الرَّجُلِ جِنَايَةً تَبْلُغُ ثُلُثَ دِيَتِهَا، فَإِنَّ الْعَاقِلَةَ تَحْمِلُ ذَلِكَ أَيْضًا. قَالَ مَالِكٌ: وَالْأَوَّلُ أَبْيَنُ عِنْدِي. قُلْت فَمَا قَوْلُ مَالِكٍ في الدِّيَةِ، أَهِيَ عَلَى أَهْلِ الدِّيوَانِ أَمْ عَلَى الْقَبَائِلِ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إنَّمَا الْعَقْلُ عَلَى أَهْلِ الْقَبَائِلِ، أَهْلَ دِيوَانٍ كَانُوا أَوْ غَيْرَ أَهْلِ دِيوَانٍ. قلت: فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا مِنْ قَبِيلَةٍ مِنْ قَبَائِلِ الْعَرَبِ جَنَى جِنَايَةً بِأَرْضِ مِصْرَ، وَلَيْسَ بِمِصْرَ مَنْ قَوْمِهِ أَحَدٌ وَقَوْمُهُ بِالْعِرَاقِ أَوْ بِالْيَمَنِ، فَجَنَى جِنَايَةً بِمِصْرَ، أَيُضَمُّ إلَيْهِ أَقْرَبُ الْقَبَائِلِ إلَيْهِ مِنْ قَوْمِهِ بِمِصْرَ فيحْمِلُونَ جِنَايَتَهُ، أَمْ تُجْعَلُ جِنَايَتُهُ عَلَى قَوْمِهِ حَيْثُ كَانُوا في قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا انْقَطَعَ الْبَدَوِيُّ إلَى الْحَضَرِ فَسَكَنَ الْحَضَرَ عُقِلَ مَعَهُمْ، وَلَا يُعْقَلُ أَهْلُ الْحَضَرِ مَعَ أَهْلِ الْبَدْوِ وَلَا أَهْلُ الْبَدْوِ مَعَ أَهْلِ الْحَضَرِ. وَقَالَ مَالِكٌ: إنَّ أَهْلَ مِصْرَ لَا يُعْقَلُونَ مَعَ أَهْلِ الشَّامِ، وَأَهْلَ الشَّامِ لَا يُعْقَلُونَ مَعَ أَهْلِ مِصْرَ، وَلَكِنْ إنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ وَهِيَ مَسْكَنُهُ عَقَلَ عَنْهُ أَهْلُ مِصْرَ. وَقَالَ مَالِكٌ: إذَا جَرَحَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ - وَلَمْ يَكُنْ في قَوْمِهِ مَنْ يَحْمِلُ عَقْلَهُ - لِقِلَّتِهِمْ - ضُمَّ إلَيْهِمْ أَقْرَبُ الْقَبَائِلِ إلَيْهِمْ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فيهِمْ قَوْمٌ يَحْمِلُونَ الْعَقْلَ ضُمَّ إلَيْهِمْ أَيْضًا أَقْرَبُ الْقَبَائِلِ مِنْهُمْ حَتَّى يَكُونَ فيهِمْ مَنْ يَحْمِلُ الْعَقْلَ. قَالَ: قُلْت لِمَالِكٍ: فَكَيْفَ تَحْمِلُ الْعَاقِلَةُ الْعَقْلَ؟ قَالَ مَالِكٌ: عَلَى الْغَنِيِّ بِقَدْرِهِ وَعَلَى مَنْ دُونَهُ بِقَدْرِهِ. قَالَ مَالِكٌ: وَإِنَّمَا عَلَى ذَلِكَ قَدْرُ طَاقَةِ النَّاسِ في يُسْرِهِمْ. قُلْت: فَهَذَا الَّذِي تَحَوَّلَ إلَى مِصْرَ فَسَكَنَهَا، أَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمِصْرِيِّينَ؟ قَالَ: نَعَمْ، إذَا تَحَوَّلَ إلَى مِصْرَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ أَوْ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ أَوْ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ فَسَكَنَ مِصْرَ وَانْقَطَعَ إلَيْهَا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ. قَالَ: وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ في الْبَدَوِيِّ مَا أَخْبَرْتُكَ أَنَّهُ يَصِيرُ مِصْرِيًّا إذَا انْقَطَعَ إلَى مِصْرَ. وَقَدْ قَالَهُ في الشَّامِيِّ إذَا تَحَوَّلَ إلَى مِصْرَ، إنَّهُ يَصِيرُ مِصْرِيًّا وَيُعْقَلُ مَعَهُمْ. قُلْت: فَإِنْ جَنَى الرَّجُلُ الَّذِي تَحَوَّلَ إلَى مِصْرَ جِنَايَةً - وَقَوْمُهُ بِالشَّامِ وَمِنْهُمْ بِمِصْرَ - وَاَلَّذِينَ بِمِصْرَ لَا يَحْمِلُونَ الْجِنَايَةَ لِقِلَّتِهِمْ وَلِسَعَةِ الدِّيَةِ، أَيُضَمُّ إلَيْهِمْ أَقْرَبُ الْقَبَائِلِ مِنْهُمْ، أَمْ يَحْمِلُ قَوْمُهُ الَّذِينَ بِالشَّامِ الدِّيَةَ، وَإِنَّمَا كَانَ تَحَوَّلَ مِنْ الشَّامِ إلَى مِصْرَ؟ قَالَ: إذَا تَحَوَّلَ إلَى مِصْرَ فَسَكَنَهَا فَهُوَ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ كَمَا أَخْبَرْتُكَ، وَلَا يَحْمِلُ أَهْلُ الشَّامِ جِنَايَةَ أَهْلِ مِصْرَ وَلَا أَهْلُ مِصْرَ جِنَايَةَ أَهْلِ الشَّامِ. فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ في أَهْلِ الشَّامِ: لَا يَحْمِلُونَ جِنَايَةَ أَهْلِ مِصْرَ وَلَا أَهْلُ مِصْرَ يَحْمِلُونَ جِنَايَةَ أَهْلِ الشَّامِ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ في أَهْلِ الْبَدْوِ: لَا يَحْمِلُونَ جِنَايَةَ أَهْلِ الْحَضَرِ وَأَهْلُ الْحَضَرِ لَا يَحْمِلُونَ جِنَايَةَ أَهْلِ الْبَدْوِ. فَأَرَى أَنْ يُضَمَّ إلَيْهِ أَقْرَبُ الْقَبَائِلِ فيحْمِلُونَ الدِّيَةَ كَمَا وَصَفْتُ لَكَ. قُلْت: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِهَذَا الرَّجُلِ بِمِصْرَ مِنْ قَوْمِهِ أَحَدٌ يَحْمِلُ جِنَايَتَهُ، ضُمَّتْ إلَيْهِ أَقْرَبُ الْقَبَائِلِ إلَى قَوْمِهِ فيحْمِلُونَ جَرِيرَتَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْت: لِمَ قَالَ مَالِكٌ إنَّ أَهْلَ الْبَدْوِ لَا يَحْمِلُونَ مَعَ أَهْلِ الْحَضَرِ، وَأَهْلَ الْحَضَرِ لَا يَحْمِلُونَ مَعَ أَهْلِ الْبَدْوِ؟ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لِأَنَّهُ لَا يَسْتَقِيمُ أَنْ يَكُونَ في دِيَةٍ وَاحِدَةٍ إبِلٌ وَدَنَانِيرُ، أَوْ إبِلٌ وَدَرَاهِمُ، أَوْ دَرَاهِمُ وَدَنَانِيرُ، فَهَذَا تَفْسِيرُهُ، وَمَا سَمِعْتُ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا. فَأَمَّا أَهْلُ الشَّامِ وَأَهْلُ مِصْرَ فَهُمْ أَجْنَادٌ وَقَدْ جُنِّدَتْ، فَكُلُّ جُنْدٍ عَلَيْهِمْ جَرَائِرُهُمْ دُونَ مَنْ سِوَاهُمْ مِنْ الْأَجْنَادِ. .مَا جَاءَ في الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ إذَا جَنَوْا وَفي دِيَةِ الْجَنِينِ إذَا كَانَ ذَكَرًا: قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: نَعَمْ تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ إذَا كَانَ مَبْلَغَ الثُّلُثِ فَصَاعِدًا، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ الثُّلُثِ فَفي أَمْوَالِهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مَالٌ كَانَ ذَلِكَ دَيْنًا عَلَيْهِمْ يُتْبَعُونَ بِهِ، وَإِنْ كَانَ الْمَجْنُونُ يُفيقُ وَيُجَنُّ، فَمَا أَصَابَ في حَالِ جُنُونِهِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَا وَصَفْتُ لَكَ، وَمَا أَصَابَ في حَالِ إفَاقَتِهِ فَهُوَ وَالصَّحِيحُ سَوَاءٌ، يُقَامُ ذَلِكَ كُلُّهُ عَلَيْهِ إنْ كَانَ عَمْدًا، وَإِنْ كَانَ خَطَأً حَمَلَتْهُ الْعَاقِلَةُ إنْ كَانَ مِمَّا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ. قُلْت: أَرَأَيْتَ الْمَجْنُونَ الَّذِي يُجَنُّ وَيُفيقُ إذَا قَطَعَ يَدَ الرَّجُلِ عَمْدًا، أَوْ افْتَرَى عَلَى رَجُلٍ أَوْ فَقَأَ عَيْنَهُ وَذَلِكَ في حَالِ إفَاقَتِهِ، ثُمَّ انْتَظَرَ بِهِ بَرَاءَ الْجِرَاحِ؛ فَلَمَّا بَرِئَتْ الْجِرَاحُ قَدِمَ إلَى السُّلْطَانِ وَهُوَ مَعْتُوهٌ في حَالِ جُنُونِهِ - وَهُوَ يُجَنُّ في رَأْسِ كُلِّ شَهْرٍ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ - أَتُقِيمُ عَلَيْهِ جَرَائِرَهُ هَذِهِ، أَمْ تَنْتَظِرُ بِهِ حَتَّى يُفيقَ ثُمَّ تُقِيمُ عَلَيْهِ مَا جَنَى؟ قَالَ: أَرَى أَنْ يُؤَخَّرَ حَتَّى يُفيقَ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ. .دِيَةُ الْجَنِينِ جَنِينِ الْحُرَّةِ: قَالَ: الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى فيهِ سَوَاءٌ - عِنْدَ مَالِكٍ - في الدِّيَةِ، فَفيهَا الْغُرَّةُ، جَارِيَةً كَانَ أَوْ غُلَامًا. قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ ضَرَبَهَا رَجُلٌ فَأَلْقَتْهُ مَيِّتًا، مُضْغَةً أَوْ عَلَقَةً، وَلَمْ يَتَبَيَّنْ مَنْ خَلْقِهِ أُصْبُعٌ وَلَا عَيْنٌ وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ. أَتَكُونُ فيهِ الْغُرَّةُ أَمْ لَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا أَلْقَتْهُ فَعُلِمَ أَنَّهُ حَمْلٌ وَإِنْ كَانَ مُضْغَةً أَوْ عَلَقَةً أَوْ دَمًا فَفيهِ الْغُرَّةُ، وَتَنْقَضِي بِهِ الْعِدَّةُ مِنْ الطَّلَاقِ وَتَكُونُ بِهِ الْأَمَةُ أُمَّ وَلَدٍ. قُلْت: أَرَأَيْتَ الْجَنِينَ إذَا ضَرَبَهُ رَجُلٌ فَأَلْقَتْهُ أُمُّهُ مَيِّتًا، أَتَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ أَمْ لَا في قَوْلِ مَالِكٍ؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: لَا تَحْمِلُهُ الْعَاقِلَةُ وَإِنَّمَا هُوَ في مَالِ الْجَانِي. .مَا جَاءَ في امْرَأَةٍ مِنْ الْمَجُوسِ أَوْ رَجُلٍ مِنْ الْمَجُوسِ ضَرَبَ بَطْنَ امْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ فَأَلْقَتْ جَنِينَهَا مَيِّتًا: قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا إلَّا أَنِّي أَرَى إنْ كَانَ خَطَأً حَمَلَتْهُ عَاقِلَتُهُمْ لِأَنَّهُ أَكْثَرُ مِنْ ثُلُثِ دِيَةِ الْجَارِحِ، وَإِنْ كَانَ عَمْدًا كَانَ في مَالِ الْجَارِحِ؛ لِأَنَّ مَالِكًا قَالَ في الْمَرْأَةِ تَجْرَحُ رَجُلًا فيبْلُغُ ذَلِكَ ثُلُثَ دِيَتِهَا: إنَّ الْعَاقِلَةَ تَحْمِلُ ذَلِكَ عَنْهَا. فَكَذَلِكَ الْمَجُوسُ مَا أَصَابُوا مِمَّا يَكُونُ في ذَلِكَ ثُلُثُ دِيَتِهِمْ - رَجُلًا كَانَ الَّذِي جَنَى أَوْ امْرَأَةً - فَإِنَّ عَاقِلَتَهُمْ تَحْمِلُ ذَلِكَ عَنْهُمْ. قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ ضَرَبَ بَطْنَهَا فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا، أَيَكُونُ عَلَى الضَّارِبِ الْكَفَّارَةُ أَمْ لَا؟ قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: الَّذِي جَاءَ في كِتَابِ اللَّهِ في الْكَفَّارَةِ إنَّمَا ذَلِكَ في الرَّجُلِ الْحُرِّ إذَا قَتَلَهُ خَطَأً فَفيهِ الْكَفَّارَةُ. قَالَ مَالِكٌ: وَأَنَا أَسْتَحْسِنُ أَنْ يَكُونَ في الْجَنِينِ الْكَفَّارَةُ. قَالَ: قَالَ مَالِكٌ: وَكَذَلِكَ في الذِّمِّيِّ وَفي الْعَبْدِ إذَا قُتِلَا، أَرَى فيهِمَا الْكَفَّارَةَ وَأَرَى في جَنِينِهِمَا الْكَفَّارَةَ. قُلْت: أَرَأَيْتَ إنْ ضَرَبَهَا رَجُلٌ خَطَأً فَمَاتَتْ فَخَرَجَ جَنِينُهَا مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا مَيِّتًا، أَيَكُونُ في الْجَنِينِ غُرَّةٌ؟ قَالَ: مَا سَمِعْتُ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا وَلَا أَرَى فيهِ غُرَّةً؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا خَرَجَ مَيِّتًا بَعْدَ مَوْتِ أُمِّهِ، فَإِنَّمَا عَلَى قَاتِلِهَا الدِّيَةُ لِأَنَّهُ مَاتَ بِمَوْتِ أُمِّهِ. قُلْت: فَكَمْ تَرَى عَلَيْهِ، أَكَفَّارَتَيْنِ أَوْ كَفَّارَةً وَاحِدَةً؟ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْ مِنْ مَالِكٍ فيهِ شَيْئًا وَأَرَى عَلَيْهِ كَفَّارَةً وَاحِدَةً. قُلْت: فَإِنْ ضَرَبَ بَطْنَهَا فَأَلْقَتْ جَنِينَهَا حَيًّا ثُمَّ مَاتَتْ، وَفي بَطْنِهَا جَنِينٌ آخَرُ ثُمَّ مَاتَ الْجَنِينُ الَّذِي خَرَجَ حَيًّا بَعْدَ مَوْتِهَا أَوْ قَبْلَ مَوْتِهَا؟ قَالَ: في الْأُمِّ نَفْسِهَا وَفي وَلَدِهَا الَّذِي لَمْ يُزَايِلْهَا - عِنْدَ مَالِكٍ - الدِّيَةُ دِيَةٌ وَاحِدَةٌ وَالْكَفَّارَةُ؛ لِأَنَّ الَّذِي في بَطْنِهَا لَمْ يُزَايِلْهَا فَلَا شَيْءَ فيهِ، لَا دِيَةَ فيهِ وَلَا كَفَّارَةَ، وَلَمْ أَسْمَعْ في الَّذِي في بَطْنِهَا - مِنْ مَالِكٍ - في كَفَّارَتِهِ شَيْئًا، وَلَا أَرَى عَلَيْهِ فيهِ الْكَفَّارَةَ. وَأَمَّا الَّذِي خَرَجَ حَيًّا فَمَاتَ، فَإِنْ كَانَ اسْتَهَلَّ صَارِخًا فَفيهِ الْقَسَامَةُ وَالدِّيَةُ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يَسْتَهِلَّ صَارِخًا فَفيهِ مَا في الْجَنِينِ.
|